وكان من هديه - عليه الصلاة والسلام - تعجيل
الفطر، فقد ثبت عنه من قوله وفعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس
قبل أن يصلي المغرب فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))6، وكان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم
يجد حسا حسوات من ماء فقد جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي؛ فإن
لم تكن رطبات فعلى تمرات؛ فإن لم تكن حسا حسوات من ماء"7, وأما السحور فكان يحث عليه، ويخبر بأنه بركة،
ويحث على تأخيره فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي -
صلى الله عليه وسلم -:
((تسحروا فإن في السحور بركة))8، وكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة
الفجر إلا وقتاً يسيراً قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية كما ثبت ذلك في
الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا, فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى
الله عليه وسلم - إلى الصلاة فصلى, قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من
سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية"9.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يتحرج من أن
يقبِّل أزواجه وهو صائم، ويباشرهن مباشرة من غير جماع لحديث عائشة -
رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو
صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه"10, وربما جامع أهله بالليل فأدركه الفجر وهو جنب،
فيغتسل ويصوم ذلك اليوم لحديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان النبي -
صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم"11.
ولم يكن يعتبر رمضان شهر كسل وفتور بل ربما جاهد -
صلى الله عليه وسلم- في رمضان، بل إن المعارك الكبرى قد قادها - صلى
الله عليه وسلم - في رمضان ومنها بدر وفتح مكة فعن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة أن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخبره: أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح في رمضان"12, وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أخبره أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ
الكديد، ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون
الأحدث فالأحدث من أمره"13.
وكان يصوم - صلى الله عليه وسلم - في سفره تارة،
ويفطر أخرى، وربما خيَّر أصحابه بين الأمرين فعن ابن عباس - رضي الله
عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان،
فصام حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس" قال أبو عبد الله - أي البخاري
-: "والكديد ماء بين عسفان وقديد"14, وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:
غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لست عشرة مضت من رمضان فمنا
من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على
الصائم"15.
فهذا هو هديه - صلى الله عليه وسلم -، وتلك هي طريقته وسنته، وما
أحوجنا إلى الاقتداء والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كله،
فلنسدد ولنقارب، ولنعلم أن النجاة في اتباعه والسير على منهجه, نسأل
الله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا اتباعه ظاهراً وباطناً, والحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.